الجدية
طريق
الخيرية
إعداد :
خالد أبو صالح
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على
خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فإن المسلم الحق يتميز بسمات معينة تؤهله لحمل معاني
الخيرية التي فضَّل الله عزَّ وجلَّ هذه الأمة على غيرها بتحقيقها ، قال تعالى : ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾[آل عمران:110] وقال جلَّ
وعزَّ: ﴿ وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾[البقرة: 143].
ومن أهم السمات التي يتميز بها المسلم : سمة الجدية ،
فالمسلم جادّ في أقواله ، جاد في أفعاله ، جاد في تصرفاته ، جاد في مظهره ، جاد في
مخبره ، جاد في علاقاته وتعاملاته مع الناس ، جاد في عبادته ومعاملته مع الله ،
جاد حتى مع نفسه ، فلا يجاملها ولا يطريها ، وإنما يحاسبها ويؤذيها ويعاتبها ويأخذ
عليه العهود والمواثيق .
إن جدية المسلم نابعة من تأثره بكتاب الله عزَّ وجلَّ ،
فالقرآن الكريم كتاب الله الحق الذي لا لغو فيه ولا هزل قال تعالى : ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ
فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾[ الطارق:13- 14] .
فالمسلم الجاد متخلق بأخلاق القرآن متأدب بآدابه .
والمسلم يعلم أنه خلق لأمر عظيم ، وتحمل أمانة كبيرة ، وهو
مسؤول عن ذلك يوم القيامة ، ولذلك فإنه لا وقت لديه للهزل وللعب والعبث : ﴿أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ﴾[ المؤمنون:115] . وقال
تعالى :
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ
إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [ الأحزاب:72] .
إن للجدية سمات ومظاهر كثيرة ، لا يمكن للمسلم أن يكون
متسماً بالجدية حتى يحقق تلك السمات ، وتكون واقعاً ملموساً في حياته ، فمن سمات
الجدية ومظاهرها .
1- الإخلاص لله عزَّ وجلَّ :
إن الإخلاص لله عزَّ وجلَّ هو الفارق الأساس بين الجاد وغير
الجاد ؛ لأن المخلص إما أن يكون منافقاً ، وإما أن يكون مرائيّاً ، والمسلم الجاد
لا يمكن أن يكون منافقاً ولا مرائياً ؛ لأن هدفه في الحياة هو رضا الله عزَّ وجلَّ
وإحراز ثوابه . قال تعالى : ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: من الآية5] .
أما المنافق والمرائي فإنه ذو شخصية متذبذبة لا إلى هؤلاء
ولا إلى هؤلاء ، فخرج بذلك عن سمة الجدية إلى العبثية والاعوجاج نتيجة لغياب
الإخلاص الذي هو أساس قبول الأعمال وروحها .
2- متابعة النبي صلى الله عليه وسلم :
وهذا هو الفارق الثاني بين الجاد وغير الجاد ؛ لأن المسلم
الجاد يسعى ليكون عمله مقبولاً ، والعمل المقبول هو الذي يتوافر فيه شرطان :
الأول : الإخلاص .
الثاني : متابعة النبي صلى
الله عليه وسلم .
ولا
يعكر على ذلك اجتهاد أهل الكفر في كفرهم ، وأهل الأهواء في أهوائهم ، وأهل الباطل
في باطلهم، فإن هذه ليست بالجدية المشروعة التي توصل إلى الفوز والفلاح يوم
القيامة، وإنما هي جهود باطلة وسعي غير مشكور. ﴿قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف:103]. قال النبي صلى الله
عليه وسلم
: (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ )) [ متفق عليه ] وقال عليه الصلاة
والسلام: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ))[ رواه مسلم ]. وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: من الآية63] . وقال سبحانه : ﴿فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا
يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء:65] .
3-
الاعتدال والوسطية :
فالجدية لا تعني الغلو ، وإنما تعني الاعتدال
والوسطية ، وقد نهى الله عزَّ وجلَّ عن الغلو فقال : ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا
تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ [النساء:171].وبين النبي صلى الله
عليه وسلم أن الغلو هو سبب الهلاك والدمار فقال عليه الصلاة والسلام : (( إياكم
والغلو في الدين ، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين )) [ رواه
أحمد والنسائي وصححه الألباني ] .
فالاعتدال
والوسطية يؤديان إلى ديمومة العمل . الاستمرار في الطاعات وعدم الانقطاع والفتور،
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وأن قل))[ متفق
عليه].
وقال
صلى الله عليه وسلم : (( أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة )) [ أخرجه
أحمد والطبراني وحسنه الألباني ] .
4-
الإقبال على الطاعات :
إن الإقبال على طاعة الله تعالى ، واغتنام
الأوقات في عبادته وذكره وشكره ، والاستزادة من ذلك ليس من الغلو بشرط أن يكون في
حدود المشروع ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى تنفطر قدماه،
فلما سئل في ذلك قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)).
وكان
النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم ، فوالله إني لأتوب
إلى الله عز وجل في اليوم مائة مرة )) [ رواه مسلم ] .
ومعلوم
أن الإيمان عند أهل السنة يزيد وينقض ، يزيد بالطاعات وينقض بالمعاصي ، فالإقبال
على الطاعات والضرب في كل باب من أبوابها بسهم هو مما يزيد الإيمان ، وهو كذلك من
أكبر الدلائل على جدية المسلم في عبادته لله تعالى ، قال تعالى : ﴿خُذُوا مَا
آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [لأعراف: من الآية171].
5-
وضوح الهدف وتبني الغايات الحميدة :
لو
سألت شريحة من غير المسلمين قوامها مائة رجل مثلاً عن أهدافهم في الحياة لوجدت
اختلافاً كبيراً في إجاباتهم ، فهذا هدفه المال ، وهذا هدفه المنصب ، وهذا هدفه
المكانة الاجتماعية ، وهذا هدفه الشهرة ، وهذا الاختراع والاكتشاف ، وهذا هدفه
التأثير في الناس وغير ذلك .
أما
المسلم الحق فمهما جمعت له من شرائح ، ومهما تعددت اجتهاداتهم ، فإن الهدف الأساس
واضح عند كل مسلم وضوح الشمس وهو رضا الله تعالى وإحراز ثوابه ، ولذلك فإن المسلم
يجعل جميع أعماله الأخرى وجميع تطلعاته بمثابة خدم ووسائل وآليات تمكنه من الوصول
إلى هذا الهدف الرئيس ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ
وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ
وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام:162 - 163] .
إن
المسلم يستطيع بتبني الغايات الحميدة أن يجعل من نومه ومن أكله ومن شربه ، ومن
جميع مناشط أوقاته فراغه ومناشط الترفيه لديه ، يمكن أن يجعل من ذلك كله عبادات
يثاب عليها ، إذا استحضر النية الصالحة عند مباشرتها ، وهذا معنى الجدية التي
ندندن حولها .
قال
النبي صلى الله عليه وسلم :(( وفي بضع أحدكم صدقة )) قالوا : يا رسول الله : أيأتي
أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : ((أرأيتم إن وضعها في حرام أما كان عليه
وزر ؟)) قالوا ، بلي . قال : (( كذلك إذا وضعها في حلال كان له بها أجر )) .
إذن
فلابد من ضبط الحياة كلها بضوابط الحلال والحرام ، ويكون الهدف في ذلك واضحاً مع
وجوب التحلي بالإرادة القوية والعزيمة الصادقة التي تدفع الإنسان إلى النشاط
والعمل الجاد من أجل تحقيق هذا الهدف المراد .
6-
علو الهمة :
علو الهمة من أكبر سمات الجادين ، فإن صاحب
الهمة العالية لا يرضى بالكيل ، ولا يركن إلى الراحة والفتور ، ولا تستهويه سفاسف
الأمور وتوافه القضايا ، وإنما تقوده همته إلى معالي الأمور وعظائم القضايا ،
فتراه يريد بلوغ الكمال في باب العلم ، وبلوغ الكمال في باب العبادة ، وبلوغ
الكمال في أبواب السلوك والآداب والأخلاق ، والعمر قصير ولكنه يجد ويجتهد فينتقل
من حال إلى حال أكمل منه ، ومن منزلة إلى منزل أعلى ، ويستمر على ذلك حتى الموت
قال تعالى : ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر:99] . واليقين
هو الموت بإجماع المفسرين .
قال
ابن الجوزي رحمه الله : " خلقت لي همة عالية تطلب الغايات ، فعلتِ السنُّ وما
بلغت ما أمَّلتُ ، فأخذت أسأل تطويل العمر ، وتقوية البدن وبلوغ الآمال ، فأنكرت
عليَّ العادات وقالت : ما جرت عادة بما تطلب ! فقلت : إنما أطلب من قادر يخرق
العادات ، وقد قيل لرجل: لنا حويجة ، فقال : اطلبوا لها رجيلاً !! وقيل لآخر :
جئناك في حاجة لا تزْرؤُك([1]) فقال : هلاَّ طلبتم
لها سفاسف الناس! فإذا كان أهل الأنفة من أرباب الدنيا يقولون ذلك ، فلم لا نطمع
في فضل كريم قادرٍ ([2]) ؟.
7-
صحبة الجادين :
من
أهم عوامل تثبيت المسلم على سمة الجدية : صحبة الجادين ؛ لأن الإنسان يتأثر بمخالطة
، والصاحب ساحب ، فإذا صحب المسلم أهل اللغو واللعب والبطالة وتضييع الأوقات تأثر
بأحوالهم وربما صار واحداً منهم مع مرور الوقت .
وإذا
خالط أهل الجد والاجتهاد والعبادة والطاعة ، وعلو الهمة تأثر بهم ، وقلدهم في
أقوالهم وأفعالهم ، وبمرور الوقت تصبح الجدية وعلو الهمة سمة له وصفة من صفاته ،
فالصاحب ينتفع أشد الانتفاع ويشقى أشد الشقاء بصاحبه ، ولذلك قال النبي صلى الله
عليه وسلم : (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) .
8- مواجهة المشكلات :
إن
صاحب الجدية لا يهرب من مشكلاته ولا يتركه دون حلول ، ولا يجعلها حجر عثرة في
طريقه ، وإنما يواجه مشكلاته بحكمة وتؤدة ، ويجعل من مشكلاته وأزماته نقاط انطلاق
جديدة ، يكتشف من خلالها ما وهبه الله تعالى من قدرة على التفكير وإيجاد الحلول
لكل ما يعتريه من محن وابتلاءات .
وصاحب
الجدية يختار الوقت المناسب لمعالجة مشكلاته ، وهي أوقات الراحة والتأمل وفراغ
الذهن .
وقد
يحتاج إلى مساعدة الآخرين ، ولكنه لا يعرض مشكلاته على المتشائمين المثبطين الذين
لا همَّ لهم سوى بث اليأس ، ودلالة الناس على الطرق المسدودة ، وإنما يعرض مشكلاته
على من يحبه من أصدقائه الذين عرفوا بالإيجابية ورجاحة العقل ودقة النظر .
9-
الشمولية :
إن المسلم
الجاد هو الذي يأخذ الدين كله كما جاء من عند الله تعالى. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة:208].
قال
ابن كثير رحمه الله : " يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين
برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع
زواجره ، ما استطاعوا من ذلك .
قال
ابن عباس : أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر([3]) .
فليس
من الإسلام أن ينتقي المسلم من دين الله ما يشاء فيعمل به ويترك ما يشاء . وليس من
الجدية أن يفعل الإنسان ما سهل عليه ويترك ما يراه صعباً من الفرائض والواجبات ،
فالدين كله يسر وقد رفع الله عن عباده الحرج قال تعالى : ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: من الآية78]. وقال
تعالى :
﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:15].
وقال
النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الدين يسر ، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه ،
فسددوا وقاربوا وأبشروا )) [ رواه البخاري ] .
فعلى
المسلم الجاد أن يأخذ الإسلام بشموليته حتى لا يتشبه بغير المسلمين الذين قال الله
فيهم : ﴿
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ
يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: من الآية85].
10-
ترك التسويف :
إن
صاحب الجدية لا يعرف التسويف ولا يعتمد على الأماني الكاذبة ، وإنما يبادر إلى
الطاعات وإشغال الوقت بالعبادات ، والانتظام في سلم المؤمنين الصادقين . فيتوب كل
يوم وكل ساعة وبعد العمل وقلبه ، ولا يقول سوف أتوب ويترك التوبة ، يحاسب نفسه
مراراً ولا يقول سوف أحاسب نفسي فيما بعد ، يحافظ على الصلاة في مواقيتها ، ولا
يضيعها ويقول سوف أحافظ على صلاتي ، يقرأ القرآن ويتدبره ويعمل به ، ولا يقول سوف
أقرأ أو سوف أعمل ، وهكذا فإنه مشغول دائماً بأعمال الخير وقضايا الإسلام
والمسلمين ، قد قصر أمله في هذه الدنيا ، فأثر ذلك في سلوكه وأعماله ؛ همة ونشاطاً
وإقبالاً على الله تعالى بلا تردد ولا تسويف .
11-
إدامة النظر في السيرة النبوية وسير الصحابة :
من
أعظم الأمور التي تدفع إلى الجدية النظر في سير أهل الجد والاجتهاد من الأنبياء
والصحابة رضوان الله عليهم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي
الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف:111]
وتعد
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معين للجدية ، فقد واجه النبي صلى الله عليه
وسلم الكفر بمفرده ، وتحمل في سبيل نشر الإسلام كل صنوف الأذى والاضطهاد ، فلم تلن
له قناة ، ولم تفتر له عزيمة ، وإنما أعلنها صريحة قوية في وجوه أهل الكفر جميعاً
(( والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما
تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه )) . إنها جدية صاحب الدعوة الذي آمن بدعوته
ونذر لها نفسه ووقته وجهده وجاهه وكل شيء من أمره .
12-
البعد عن الترف :
الترف من سمات أهل البطالة والكسل ؛ لأنه مورث
الخمول والدعة . وأجمع كل عاقل على أنه لا يدرك نعيم بنعيم ، والمكارم لا يتوصل
إليها إلا بالمكاره . فمنافاة الترف ، وهجر فضول التنعم من مقومات الهمة العالية ([4]) .
قال
بعض السلف : لا ينال العلم براحة الجسد .
لقد
ملك النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح خزائن الأرض ، ولو شاء لكان ملكاً رسولاً ،
ولكنه رضي أن يكون عبداً رسولاً ، يجوع يوماً فيحمد ربه ، ويشبع يوماً فيشكر ربه ،
ولقد ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا فقال : لقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ، ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه
)) [
رواه مسلم ]
.
* * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق